الدراما التلفزيونية بعد «أسمهان» لن تكون كما هي قبله مشاهدات
سيكون من الصعب على صانعي المسلسلات العربية الخاصة بالسير الشخصية من الآن فصاعدا العودة الى الوراء بعد مسلسل «اسمهان» الذي فتح امامهم آفاقا جديدة في كيفية تناول هذه السير نصا وتنفيذا مهما كانت شائكة ومعقدة وحساسة.
صيغة درامية
فقد ارسى هذا المسلسل دعائم أساسية لبناء صيغة درامية - تلفزيونية جديدة تتسم بالجرأة وبقدر كبير من الشفافية في مقاربة الواقع لسيرة شخصية اسطورية تجمع الكثير من التناقضات او اكثر من شخصية في انسانة واحدة.
فهناك شخصية الاميرة التي لم تخرج اسمهان من اسر جيناتها ابدا وكذلك شخصية المطربة التي تعرف قيمة صوتها وقدراته.. وشخصية الانسانة التي تحمل في اعماقها احساسا بالمسؤولية تجاه وطنها وما يترتب على كل هذه الشخصيات داخلها من مواقف واعتبارات.
وتفاصيل مؤثرة في حياة اسمهان القصيرة التي اتسمت بعدم الاستقرار على جميع المستويات وقد استحوذت قصة زواجها بالامير حسن الاطرش على معظم الحلقات بما فيها علاقاتها مع المخابرات البريطانية ومن ثم الفرنسية ومحاولة تجنيدها من قبل الالمان.. ورحلتها الشاقة ما بين القاهرة والسويداء ودمشق وبيروت والقدس، ولندن.. الى جانب ما سببه لها شقيقها فؤاد من متاعب ومعاناة نتيجة ولعها بالغناء.
إرباكات صغيرة
وما قدمه المسلسل في صيغته الاخيرة هو حصيلة تنسيق بين عشرة مراجع تمت الاستعانة بها من قبل كاتب السيناريو نبيل المالح للإلمام بكل المعلومات والتفاصيل الممكنة عن حياتها ويمكن قراء ة بعض الارباكات الصغيرة هنا او هناك في سياق الاحداث من ناحية دقة التواريخ او تغيير بعض ملامح الشخصيات واضافة شخصيات اخرى او نسج علاقات عاطفية غير موجودة في الاصل مثل علاقة الحب بين علياء المنذر وفريد غصن التي يبدو انها وضعت لخدمة الاخير كمبرر درامي في سياق الشخصية ومقومات وجودها.. اذ لا يوجد ما يؤكد ذلك الحب الصامت بينهما في كل ما قرأناه عن اسمهان واسرتها.
«بلاغة» التصوير
تخطى مسلسل اسمهان حدود الابداع الفني المتعارف عليها على مستويات الاداء، والاخراج، والموسيقى، وتقمص الشخصيات، ومنطقية الحدث، وتقنية التصوير التي شكلت احد اهم عوامل نجاح المسلسل وتميزه.. حيث اعتمد ــ التصوير ــ زوايا لم نشهدها من قبل على الاقل في مسلسلاتنا العربية وهو ما يمكن تسميته بالتصوير الجزئي الذي يكتمل مع تكامل الحدث في كل لقطة او مشهد.
ولكي نوضح اكثر نقول ان منزل الاسرة مثلا لم يظهر كاملا في أي لقطة وانما اعتمد التصوير على لغة التشويق المرتبط بالفعل الدرامي وتداعياته.. وهذا ما جعل الكاميرا تنتقل من ركن الى ركن آخر في المنزل ضمن اطار حركة الشخصيات داخل هذه الامكنة أي انه لم يسمح لعيون الكاميرا بأن تأخذ حيزا اكبر من اللقطة اذا لم يشكل - هذا الحيز - اهمية فنية او تقنية وهذا ما ينطبق على الشخصيات الاخرى في المكان الواحد.. بما فيها شخصية «فؤاد» فقد ظهر مرة واحدة على جزء من سريره (في غرفته) وتلك دلالة على فقدان الشخصية لمقومات اساسية في تكوينها «او ان الشخصية لا تزال في طور التشكل» على اعتبار ان هناك علاقة مفترضة بين الشخصية وما يحيط بها من مكونات.. واعتقد ان لغة التصوير (وهي بمشاركة مصورين غير عرب) كانت تنطق بالحدث مثل الحدث تماما أي انها لم تكن مكملة او مساندة او ناقلة للمشهد بقدر ما كانت معايشة له وصانعة لتفاصيله بعين نظيفة ومدركة ومعبرة على مستويين اساسيين.. جمالية اللقطة، وشفافية الاسلوب.. أي اننا لم نشهد ابدا اللقطة نفسها مرتين.. وهذا ينسحب ــ مع فنيات الاضاءة ــ على كل المشاهد الداخلية والخارجية للعمل.. بما فيها اللقطات التي اخذت للبطلة تحت الماء.
شخصية حقيقية
غير ان «مجد» مسلسل اسمهان لم يبن فقط على ما ذكرناه وانما يضاف اليه تلك الصيغة المعدلة لشخصية اسمهان (الاميرة والفنانة والزوجة والام) حيث اقتربت ملامحها من الحقيقة الى حد بعيد وهذا ما لم يحدث في أي مسلسل او فيلم سينمائي عربي تناول حياة المشاهير.. ولكن يبدو انها ليست كذلك بالنسبة لممدوح الاطرش (كاتب النص) الذي تبرأ من العمل.. خصوصا ان ما كتبه مع قمر الزمان علوش - اعاد صياغته كاتب السيناريو نبيل المالح الذي دافع عن نصه واعتبره من لحم ودم ويتعامل مع شخصية حقيقية وليس مع شخصية ملائكية.
نجومية كبيرة
اذن اعاد مسلسل اسمهان الجدل حولها وبقوة خصوصا انها بدت امرأة شديدة البأس وصاحبة ارادة صلبة وتلك صفات كانت ايامها لا تطلق الا على الرجال.. كما ارسى دعائم عمل تلفزيوني يقترب من الكمال ووفر لكل المشاركين فيه نجومية ساطعة وفي مقدمتهم سولاف فواخرجي التي تقمصت شخصية اسمهان حتى الانصهار الكامل بها يوما بعد يوم وحلقة بعد حلقة وكذلك الفنان عابد فهد الذي ادى شخصية الامير حسن بكثير من الشموخ والحرفية فأقنع وابدع.. واحمد شاكر الذي قدم شخصية فريد الاطرش بكثير من الاتقان والمعايشة.. وورد الخال في شخصية الاميرة علياء المنذر وفراس ابراهيم الذي نجح في حصد كراهية الناس لشخصية فؤاد كدليل على نجاح ادائه لها.. وهناك عشرات الممثلين الذين لم نكن نلتفت اليهم استطاع المسلسل ان يصنع منهم نجوما على قدر كبير من الاهمية
لا إدانة ولا تقديس
من حق مسلسل «اسمهان»: علينا ان نعترف لصانعيه بأنه اضاء امامنا زوايا فنية وابداعية كثيرة وحقق الكثير من الاهداف وقدم شخصية اسمهان التي تعيش في اذهان الناس من دون ان يدينها او يقدسها من خلال رؤية اخراجية قائمة على الامتاع البصري للمشهد خاصة بالمخرج التونسي شوقي الماجري على الرغم من تفاوت تلك المتعة بين حلقة واخرى او غياب الاحداث الشائقة عن بعض الحلقات مقارنة بغيرها.
وعد.. وبديل
ولا بد من اشارة الى تميز وعد بحري التي استعادت بصوتها الشجي وغنائها المتقن صوت اسمهان بكل ما فيه من عذوبة وشجن.. على ان يقدم المسلسل اعتذارا لعشاق صوت فريد الاطرش نتيجة تشويه صوته من قبل المغني البديل!!
عواطف الزين