لقد بلغ حرص ابن ام مكتوم رضي الله عنه على حفظ القرآن
الكريم ، أنه كان لا يترك فرصة إلا اغتنمها ، ولا سانحة إلا
ابتدرها ، وكان أحيانا يأخذ نصيبه من النبي صلى الله عليه
وسلم ونصيب غيره ، لرغبته القوية أن يكون مع النبي صلى
الله عليه وسلم دائما ، فالمؤمن لا ترتاح نفسه إلا مع المؤمنين .
ولقد كان صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة كثيرالتصدي
لسادات قريش ، شديد الحرص على إسلامهم ، فالتقى
ذات يوم بعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة بن ربيعة ، وعمرو
بن هشام المكنى بأبي جهل ، وأمية بن خلف ، والوليد
بن المغيرة ، والد سيف الله خالد رضي الله عنه ، وطفق
يفاوضهم ويناجيهم ويعرض عليهم الإسلام ، وهو يطمع أن
يستجيبوا له ، لأنهم إن أسلموا أسلم معهم خلق كثير ،
وإن اقتنعوا بالإسلام ولم يسلموا ، فالحد الأدنى أنهم كفوا
أذاهم عن ضعاف المؤمنين الذين يعذبونهم آناء الليل وأطراف النهار .
وفيما هو كذلك أقبل عليه عبد الله بن أم مكتوم رضي الله
عنه يستقرئه بعض آيات الكتاب الكريم ، فرأى النبي صلى
الله عليه وسلم أن هذا الوقت غير مناسب ، و بإمكانه أن
يأتي في أي وقت يشاء غير هذا ، فاعرض عنه وعبس
في وجهه ، ثم تولى نحو أولئك النفر من قريش ، وأقبل
عليهم أملا في أن يسلموا ، فيكون في إسلامهم عز لدين الله ، وتأييد لدعوة رسول الله .
وما إن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه معهم
وهَم أن ينقلب إلى أهله حتى أمسك الله حتى جاءه الوحي ،
ونزل عليه قوله تعالى : (( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ))
ست عشرة آية نزل بها جبريل عليه السلام على قلب النبي
صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله
عنه ، لا تزال تُتلى وسوف تظل تتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
ومنذ ذلك اليوم ما فتئ النبي صلى الله عليه وسلم يكرم
منزل عبد الله بن أم مكتوم الذي عوتب فيه من فوق سبع
سماوات ، ويدني مجلسه إذا أقبل ، ويسأل عن شأنه ويقضي حاجته .
الآذان
كان بلال يؤذن وابن أم مكتوم رضي الله عنهما يقيم الصلاة ،
وربما أذن ابن أم مكتوم وأقام بلال الصلاة، ولكن بعد حين
وجه النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يؤذن هو الذي يقيم الصلاة .
وكان لبلال وابن أم مكتوم رضي الله عنهما شأن آخر في رمضان ،
فقد كان المسلمون في المدينة يتسحرون على أذان أحدهما ويمسكون
عند أذان الآخر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم "